في إطار التقرير السنوي لسنة 2023 الصادر عن البنك المركزي التونسي، يظهر أداء القطاع البنكي التونسي نتائج مختلطة تعكس التحديات الاقتصادية الراهنة. على الرغم من تسجيل نمو في الأرباح الصافية للقطاع البنكي، إلا أن بعض المؤشرات تدل على تباطؤ ملحوظ في النشاط الاقتصادي، مما يؤثر بشكل خاص على المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
1. النمو في الأرباح الصافية
سجل القطاع البنكي نتيجة صافية بقيمة 1.5 مليار دينار تونسي، بزيادة 26٪ مقارنة بالعام السابق. إلا أن هذا الأداء الإيجابي ترافق مع تباطؤ في نمو الناتج البنكي الصافي الذي بلغ 8.4٪ مقارنة بـ12.3٪ في عام 2022. يعود هذا التباطؤ جزئيًا إلى تأثير هامش الفائدة الناتج عن رفع نسبة الفائدة المديرية، مما ضغط على هوامش الربحية للبنوك.
2. تركيبة الودائع وتراجع النمو
الودائع تحت الطلب شكلت النسبة الأكبر من الودائع البنكية، بينما تباطأت وتيرة نمو الودائع إلى 7.5٪ مقارنة بـ8.3٪ في 2022. يعكس هذا التراجع ضعف القدرة الادخارية للأفراد والشركات، في ظل الضغوط الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
3. تراجع نمو القروض
شهد نمو القروض الممنوحة من البنوك انخفاضًا ملحوظًا، حيث تراجع من 8.2٪ في 2022 إلى 1.8٪ في 2023. يعكس هذا التراجع الضغوط الاقتصادية وزيادة مستويات الفائدة التي أثرت على القدرة الشرائية للأفراد والمستثمرين، ما دفعهم للتردد في الاقتراض.
4. تراجع تمويل القطاع الخاص
القروض المخصصة للقطاع الخاص، وخاصة للمؤسسات المهنية، شهدت تباطؤًا كبيرًا، حيث انخفضت من 8.8٪ في 2022 إلى 1.4٪ في 2023. يعكس هذا التراجع ضعف الطلب على التمويل من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تأثرت بارتفاع تكاليف الاقتراض وبطء النمو الاقتصادي.
5. نمو محفظة سندات الاستثمار
ارتفعت محفظة سندات الاستثمار بنسبة 26.3٪ خلال 2023، وهو ما عزز الناتج البنكي الصافي. يشير هذا النمو إلى توجه البنوك نحو استثمارات أكثر استقرارًا وأقل خطورة، مثل رقاع الخزينة، بدلاً من منح القروض التي تحمل مخاطر أعلى.
التداعيات على المؤسسات الصغرى والمتوسطة
1. ارتفاع تكاليف الاقتراض
تأثرت المؤسسات الصغرى والمتوسطة بشكل كبير بارتفاع نسبة الفائدة المديرية وزيادة تكلفة القروض. هذه المؤسسات تعتمد بشكل كبير على التمويل البنكي لتوسيع نشاطها، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة قلل من قدرتها على الاقتراض، مما يحد من قدرتها على النمو والتوسع.
2. انخفاض نمو القروض المخصصة للمؤسسات
تباطؤ نمو القروض الممنوحة للقطاع الخاص يعكس تحفظ البنوك في منح قروض جديدة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة. مع البيئة الاقتصادية الضعيفة وارتفاع المخاطر المتعلقة بالتعثر في السداد، أصبحت البنوك أكثر حذرًا، ما يحد من فرص تمويل هذه المؤسسات.
3. تفضيل البنوك للاستثمار في السندات
اتجاه البنوك نحو الاستثمار في سندات الاستثمار على حساب منح القروض يمثل تحولًا استراتيجيًا نحو الأصول ذات العائد الثابت والمخاطر المنخفضة. هذا الاتجاه يؤثر سلبًا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تعتمد على القروض البنكية لتغطية نفقاتها التشغيلية وتوسيع عملياتها.
4. قلة الدعم المالي للمؤسسات الناشئة
مع تراجع التمويل الموجه للمؤسسات، تجد الشركات الناشئة صعوبة في الحصول على التمويل الكافي. هذا التحدي يهدد نمو واستمرارية هذه الشركات التي تحتاج إلى تدفقات نقدية ثابتة لتمويل الابتكار والتوسع في السوق.
5. ضعف السيولة لدى المؤسسات الصغيرة
تراجع نمو الودائع يشير إلى ضعف السيولة في السوق، مما يزيد من اعتماد المؤسسات الصغيرة على الاقتراض المكلف. هذا الوضع يخلق ضغوطًا إضافية على هذه المؤسسات ويقلل من قدرتها على الحفاظ على استقرارها المالي.
الاستنتاجات والتوصيات
ضغط مالي متزايد
تواجه المؤسسات الصغرى والمتوسطة ضغوطًا مالية متزايدة نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض وتراجع التمويل البنكي. في ظل هذه الظروف، يصبح استمرارية هذه المؤسسات في خطر، حيث تفتقر إلى الموارد اللازمة لتوسيع نشاطها أو حتى الاستمرار في ظل التحديات الاقتصادية.
ضرورة تطوير سياسات تمويلية
هناك حاجة ملحة لتطوير سياسات تمويلية تدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة. يمكن للحكومة والمؤسسات المالية تقديم تسهيلات بنكية مثل تخفيض أسعار الفائدة الخاصة بالقروض الموجهة لهذا القطاع أو توفير دعم حكومي مباشر لتخفيف الضغوط المالية.
دعم الابتكار المالي
ينبغي تشجيع الابتكار المالي من خلال تطوير أدوات تمويل بديلة مثل التمويل الجماعي أو مؤسسات الدفع الرقمي. هذه الأدوات قد توفر حلولًا جديدة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة لمواجهة تحديات التمويل وتحقيق الاستدامة الاقتصادية.
خلاصة القول، القطاع البنكي التونسي شهد عامًا متقلبًا في 2023، حيث ارتفعت الأرباح على حساب تباطؤ النمو في بعض المؤشرات الرئيسية، مما أثّر سلبًا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
لا ردود حتى الان